الجمال الأفغاني.....مئذنة جام
حاضر أفغانستان المؤلم والمتقلب لا يُنسي الأفغانيين تاريخهم العريق الممتد على أجمل صفحات التاريخ.....
صور الدمار و الموت المفروضة عليهم من قبل الحضارات الغالبة لا يمس كبريائهم و فخرهم المستمدان من تاريخ جميل عمره آلاف السنين....
أي شعب يملك تاريخ غني ومتنوع ومشرق كتاريخ أفغانستان يكون عونا له في الوقوف في وجه الأزمات والشدائد....
عندما تفوح رائحة الخوف في الهواء و تظلم السماء وتبلغ القلوب الحناجر.... عندما يتسلل اليأس إلى القلوب يتذكر الأفغانيون منارات سامقة في تاريخهم تعطيهم الأمل و القوة لمقاومة الثقافة الوافدة و للانطلاق نحو الجهاد والبناء.... منارات كالإمام أبي حنيفة صاحب المذهب الفقهي الشهير أو ابن سينا الفيلسوف الكبير أو البيروني عالم الرياضيات الشهير......ولا يغيب عن مخيلتهم شاعرهم الكبير بشار بن برد حينما ينشد في أرض العزة أبيات الحماسة.....
وَكُنّا إِذا دَبَّ العَدُوُّ لِسُخطِنا .............. وَراقَبَنا في ظاهِرٍ لا نُراقِبُه
رَكِبنا لَهُ جَهراً بِكُلِّ مُثَقَّفٍ ............ وَأَبيَضَ تَستَسقي الدِماءَ مَضارِبُه
وَجَيشٍ كَجُنحِ اللَيلِ يَرجُفُ بِالحَصى ..........وَبِالشَولِ وَالخَطِّيِّ حُمرُ ثَعالِبُه
غَدَونا لَهُ وَالشَمسُ في خِدرِ أُمِّها.................. تُطالِعُنا وَالطَلُّ لَم يَجرِ ذائِبُه
بِضَربٍ يَذوقُ المَوتَ مَن ذاقَ طَعمَهُ......... وَتُدرِكُ مَن نَجّى الفِـرارُ مَثالِبُه
كَأَنَّ مُثارَ النَقعِ فَوقَ رُؤُسِهِم.................. وَأَسيـافَنا لَيـلٌ تَهاوى كَواكِبُه
بَعَثنا لَهُم مَوتَ الفُجاءَةِ .................... إِنَّنا بَنو المُلكِ خَفّاقٌ عَلَينا سَبائِبُه
هذه المنارات تسترشد بهم الأمة الأفغانية عند احتدام الأمور و تكالب المصائب....
وهناك نوع آخر من المنارات, إنها المنارات الحسية التي تقف بشموخ على الأرض الأفغانية كشاهد على التاريخ الأفغاني العظيم.... تقف تلك المنارات لتذكر الأفغانيين والعالم بالماضي الجميل و تعطيهم الدافع لاسترداد الحضارة الضائعة...
في هذا الموضوع سأحاول أن أقدم نبذه مختصرة عن مئذنة جام, تلك المئذنة التي أسرني جمالها و عظمتها فحركت في القلب أشجاناً و أحييت الأماني و الآمال أنه سيأتي يوما حيث ينعم الأفغان بالحياة الكريمة و تنقشع عن سمائهم ظلمة الاحتلال.
مئذنة جام تقع على ضفاف نهر "هري رود" و قد بنيت من الآجر و ترتفع في السماء لمسافة تقرب من السبعين مترا...... بهذا الطول المبهر تكون منارة جام ثاني أطول برج طُوبي بعد مئذنة قتب في نيودلهي..... تقف هذه المئذنة العظيمة على قاعدة ثمانية الأضلاع مساحتها 77 مترا مربعا....
منطقة نهر هري رود
مئذنة جام
للصعود للشرفتين الخشبيتين في أعلى المنارة تصعد درجاً حلزونيا الشكل صمم بشكل جميل جداً داخل المئذنة....
هذه المنارة يعتقد أنها كانت المئذنة الرئيسية لمسجد كبير بٌني على عهد الدولة الغورية و يظهر من النقوش على المنارة أنها بنيت بأمر من السلطان غِياث الدين الغوري الذي حكم بين عامي 545-588 هـ
السلطان غياث الدين
المنطقة حول المئذنة يعتقد أنها العاصمة للدولة الغورية التي حكمت أفغانستان في القرن السادس الهجري.
تتزين هذه المئذنة بوشاح من النقوش الجملية بالخط الكوفي لبعض الآيات من القرآن الكريم و يظهر بوضوح منها بعض الآيات من سورة مريم.
على الرغم من الاجتياح الغاشم لجيوش جنكيز خان المغولي لتلك المنطقة و تدميرهم للمدن و القلاع إلا أن المئذنة نجت من تلك العاصفة لتبقى سامقة في سماء أفغانستان.....
في عام 2002 أصبحت منارة جام أول موقع أثري في أفغانستان يدرج على قائمة التراث العالمي.
تستطيع أن تشاهد نبذه مصورة عن هذه المئذنة في السلسلة الرائعة